الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
قال: [وإن أكذب نفسه بعد ذلك لحقه الولد] وجملة ذلك أن الرجل إذا لاعن امرأته ونفى ولدها, ثم أكذب نفسه لحقه الولد إذا كان حيا بغير خلاف بين أهل العلم وإن كان ميتا لحقه نسبه أيضا في قول أكثر أهل العلم, سواء كان له ولد أو لم يكن وسواء خلف مالا أو لم يخلف وذلك لأن النسب حق للولد فإذا أقر به, لزمه وسواء تقدم إنكاره له أو لم يكن ولأن سبب نفيه عنه نفيه له, فإذا أكذب نفسه فقد زال سبب النفي وبطل فوجب أن يلحقه نسبه بحكم النكاح الموجب للحوق نسبه به. والقذف على ثلاثة أضرب: واجب, وهو أن يرى امرأته تزني في طهر لم يطأها فيه فإنه يلزمه اعتزالها حتى تنقضي عدتها فإذا أتت بولد لستة أشهر من حين الزنا, وأمكنه نفيه عنه لزمه قذفها ونفى ولدها لأن ذلك يجري مجرى اليقين في أن الولد من الزاني, فإذا لم ينفه لحقه الولد وورثه وورث أقاربه, وورثوا منه ونظر إلى بناته وأخواته وليس ذلك بجائز, فيجب نفيه لإزالة ذلك ولو أقرت بالزنا ووقع في قلبه صدقها فهو كما لو رآها الثاني - أن يراها تزني, أو يثبت عنده زناها وليس ثم ولد يلحقه نسبه أو ثم ولد لكن لا يعلم أنه من الزنا, أو يخبره بزناها ثقة يصدقه أو يشيع في الناس أن فلانا يفجر بفلانة ويشاهده عندها, أو داخلا إليها أو خارجا من عندها أو يغلب على ظنه فجورها فهذا له قذفها لأنه روي عن عبد الله (أن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا, فتكلم جلدتموه أو قتل قتلتموه أو سكت سكت على غيظ فذكر أنه يتكلم أو يسكت, ولم ينكر عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-) ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينكر على هلال والعجلاني قذفهما حين رأيا وإن سكت جاز وهو أحسن لأنه يمكنه فراقها بطلاقها ويكون فيه سترها وستر نفسه, وليس ثم ولد يحتاج إلى نفيه الحال الثالث محرم وهو ما عدا ذلك, من قذف أزواجه والأجانب فإنه من الكبائر قال الله تعالى: فإن أكرهت زوجته على الزنا في طهر لم يصبها فيه فأتت بولد يمكن أن يكون من الواطئ فهو منه, وليس للزوج قذفها بالزنا لأن هذا ليس بزنا منها وقياس المذهب أنه ليس له نفيه ويلحقه النسب لأن نفي الولد لا يكون إلا باللعان ومن شرط اللعان القذف, ولأن اللعان لا يتم إلا بلعان المرأة ولا يصح اللعان من المرأة ها هنا لأنها لا تكذب الزوج في إكراهها على ذلك وهذا قول أصحاب الرأي وذكر بعض أصحابنا في ذلك روايتين إحداهما له نفيه باللعان لأنه محتاج إلى نفيه, فكان له نفيه كما لو زنت مطاوعة وهذا مذهب الشافعي وهذا إنما يصح عند الشافعي لأنه يرى نفي الولد بلعان الزوج وحده وأما من لا يرى ذلك فلا يصح عنده النفي باللعان ها هنا والله تعالى أعلم. قال: [وإن نفى الحمل في التعانه, لم ينتف عنه حتى ينفيه عند وضعها له ويلاعن] اختلف أصحابنا فيما إذا لاعن امرأته وهي حامل ونفى حملها في لعانه فقال الخرقي وجماعة: لا ينتفي الحمل بنفيه قبل الوضع, ولا ينتفي حتى يلاعنها بعد الوضع وينتفي الولد فيه وهذا قول أبي حنيفة وجماعة من أهل الكوفة لأن الحمل غير مستيقن يجوز أن يكون ريحا, أو غيرها فيصير نفيه مشروطا بوجوده ولا يجوز تعليق اللعان بشرط وقال مالك, والشافعي وجماعة من أهل الحجاز: يصح نفي الحمل وينتفي عنه, محتجين بحديث هلال وأنه نفى حملها فنفاه عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- وألحقه بالأول ولا خفاء بأنه كان حملا ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (انظروها, فإن جاءت به كذا وكذا) قال ابن عبد البر: الآثار الدالة على صحة هذا القول كثيرة وأوردها ولأن الحمل مظنون بأمارات تدل عليه ولهذا ثبتت للحامل أحكام تخالف بها الحائل: من النفقة والفطر في الصيام, وترك إقامة الحد عليها وتأخير القصاص عنها وغير ذلك مما يطول ذكره ويصح استلحاق الحمل, فكان كالولد بعد وضعه وهذا القول هو الصحيح لموافقته ظواهر الأحاديث وما خالف الحديث لا يعبأ به كائنا ما كان وقال أبو بكر: ينتفي الولد بزوال الفراش ولا يحتاج إلى ذكره في اللعان احتجاجا بظاهر الأحاديث حيث لم ينقل فيها نفي الحمل, ولا التعرض لنفيه وقد ذكرنا ذلك فأما من قال: إن الولد لا ينتفي إلا بنفيه بعد الوضع فإنه يحتاج في نفيه إلى إعادة اللعان بعد الوضع وقال أبو حنيفة ومن وافقه: إن لاعنها حاملا, ثم أتت بالولد لزمه ولم يتمكن من نفيه لأن اللعان لا يكون إلا بين الزوجين وهذه قد بانت بلعانها في حال حملها وهذا فيه إلزامه ولدا ليس منه, وسد باب الانتفاء من أولاد الزنا - والله تعالى قد جعل له إلى ذلك طريقا فلا يجوز سده وإنما تعتبر الزوجية في الحال التي أضاف الزنا إليها فيه لأن الولد الذي تأتي به يلحقه إذا لم ينفه فيحتاج إلى نفيه, وهذه كانت زوجة في تلك الحال فملك نفي ولدها والله أعلم.
|